vendredi 2 décembre 2011

عالم علي بن سالم الفنّي التّشكيليّ الأستاذ عبد الوهاب الشتيوي 1. مرجعيّات علي بن سالم التّشكيليّة يمتلك الفنّان الرّسام علي بن سالم مرجعيّات متعدّدة مكّنته من أنْ يكون صاحب رؤية فنيّة متميّزة، وصاحب تجربة فنيّة مخصوصة، ويمكننا أنْ نحصر هذه المرجعيّات في ثلاث مهمّة، أوّلها المرجعيّة التّراثيّة الشّرقيّة والعربيّة والتّونسيّة، فهو في لوحاته يبدو شديد التّأثّر بالتّراث الفنّي العربيّ، وسحره الشّرقيّ، وشديد التّمسّك بالأصالة التّونسيّة ممثّلة بالفضاء الجغرافيّ الطّبيعيّ السّاحر سواءً كان في الشّمال الخصب، إذ نجد الأزهار والأشجار والأعشاب، أو في الجنوب الصّحراويّ الجاف حيث تتراءى الصّحراء بوضوح، وبنمط العيش الحضريّ والبدويّ معًا، وبأصناف اللّباس التّقليديّ الرّجاليّ والنّسائيّ، وبملامح الإنسان التّونسيّ رجلاً كان أو امرأة، دون أنْ ننسى الإطار الحيوانيّ الذي يمكن أنْ يرمز إلى بلده مثل الجمال والغزلان والحمام والخيول. وثاني المرجعيّات التي استند إليها علي بن سالم تلك الطّبيعة التي انفتح عليها أثناء إقامته بباريس للدّراسة، وستوكهولم حين استقرّ هناك صحبة زوجته الفنّانة السّويديّة كريستين التي شاء أنْ يجعلها انصهارًا بين تونسيّته العزيزة، وانبهاره بالغرب وثقافته الحديثة، وحضارته المتقدّمة، فجعلها هادية/ كريستين بن سالم. ثمّ تأتي المرجعيّة الثّالثة وهي مرجعيّة غير محسوسة، لأنّها لا توجد إلاّ في خياله الخصب، ورؤيته الفنيّة، فنراه يقوم بتحويل الواقع إلى ما يشبه الخيال، ويسقط الخيال على الواقع، فيحوّله إلى ما يشبه الواقع. وقد تمكّن من صهر هذه المرجعيّات في آثاره الفنيّة بفضل ما امتلك من موهبة، وقدرة إبداعيّة، ورؤية جماليّة للعالم والوجود، وقد تمكّن بهذه القدرات من تحقيق فرادة آثاره الفنيّة، فرسم العالم بما يحتوي من أشياء مختلفة بعين الفنّان الذي ينطلق من الواقع الموضوعيّ المادّي المحسوس، ثمّ يحوّل بطريقة إبداعيّة كي يجعله معبّرًا عن رؤيته الفكريّة، ونظرته الفنيّة، ويرسم به أحلامه الذّاتيّة والجماعيّة، فهو إذنْ لا يحاكي الواقع بطريقة ساذجة بسيطة، وإنّما يحوّل الواقع إلى عالم من الأحلام والرّؤى، ليرسم ما يراه الوجدان، وما يحلم به الفنّان، لا ما تراه العين المجرّدة، والفنّان بحقّ لا يرسم الواقع وإنّما يرسم نظرته إلى الواقع، لأنّه حين يرسم الواقع لا يكون فنّانًا وإنّما يكون رسّامًا محاكيًا، أتقن فنّ نقل الأشياء من الواقع إلى اللّوحة. 2. الطّبيعة في لوحات علي بن سالم إنّ المتأمّل في لوحات علي بن سالم بطريقة سطحيّة، والذي لا يحاول التّعمّق فيها بالتّأويل، والنّظر إليها بطريقة تحفيريّة، لينخدع حين يعتبر بن سالم راسمًا الواقع، محاكيًا الأشياء في الطّبيعة كما خلقها الله تعالى، لذا لابدّ من أنْ ننظر في اللّوحة جيّدًا حتّى نتمكّن من ملاحظة الواقعيّ والمتخيّل، ونفصل بينهما لنعرف دلالات اللّوحة من النّاحيّتين التّشكيليّة الإبداعيّة والفكريّة التي يحملها الفنّان ويريد التّعبير عنها. نجد في لوحات علي بن سالم إصرارًا لا متناهيًا على رسم المشهد التّونسيّ بأشيائه المختلفة خاصّة الطّبيعيّ منه، فنجد الرّجل والمرأة، والجمال والغزلان والحمام والخيول، ثمّ نجد الأشجار والأعشاب والزّهور، ونجد اللّباس التّونسيّ الأصيل، فالمرأة تحضر بـ"ـالفوطة والبلوزة"، والرّجل يحضر بالعمامة و"الشّملة" والصّدريّة، والسّروال العربيّ، غير أنّ تدقيق النّظر في اللّوحة يرينا قدرة الفنّان على مخالفة الواقع الموضوعيّ (أيْ المرئيّ الحقيقيّ) وإنْ بشكل نسبيّ، حيث نرى حشد المكوّنات البشريّة والحيوانيّة والنّباتيّة بشكل يبدو فوضويًّا غير منطقيّ، غريبًا غير مألوف فالحيوان ملتصق بالإنسان، والنّبات مندمج مع الإنسان والحيوان، وما يؤكّد الغرابة في اللّوحات التي تستند إلى المشاهد الطّبيعيّة وجود الجمال التي تنحدر في الأصل من فضاء جغرافيّ صحراويّ واقفة تحت الأشجار الباسقة، ووقوف الغزلان قرب الإنسان، ترعى بكلّ طمأنينة في مكان مليء بالأعشاب والأزهار، حاملة في أعناقها قلائد زهريّة، وتطير الحمائم في مستوى منخفض حتّى لكأنّها تلتصق بالإنسان والحيوان والنّبات، ويقف الرّجل والمرأة متحاذيين بين كلّ تلك المكوّنات الطّبيعيّة، ثمّ نلاحظ خلوّ اللّوحة من الفراغات إذ تمتلئ بمختلف المكوّنات، وانعدام الحدود الفاصلة بينها، مع غياب واضح وجليّ للسّماء، وكأنّ اللّوحة بلا امتداد علويّ. إنّ اللّوحة بهذا الشّكل تجعلنا نقرّ بقدرة علي بن سالم على التّمرّد على الطّبيعة، وخلقها وفق تصوّر جديد مغاير للمألوف الطّبيعيّ العلميّ، وإخراجها في ثوب جديد يؤلّف بين العناصر مهما تكن متخالفة، ويقرّب بينها بشكل يجعلنا نراها متآلفة ولا نشعر أبدًا بغرابتها وفق النّظرة الأولى. ونعتقد أنّ إخراج الطّبيعة في هذا الشّكل المغاير لطبيعيّتها يجعلنا نبحث في دلالات ذلك حسب رؤية علي بن سالم الفنيّة والفكريّة. 3. المرأة في لوحات علي بن سالم إنّ المرأة تلفت انتباهنا بحضورها البارز في لوحات علي بن سالم، بسيطرتها على فضاء اللّوحة، وانتشار ملامحها الأنثويّة الجميلة السّاحرة في سائر المكوّنات حتّى لكأنّها ربّة الوجود، أو كأنّها وهبت الكائنات خصائصها الجماليّة الفاتنة، "فالمرأة في لوحة علي بن سالم ميسم الجمال الخالص، ومفتاح الرّبيع، وطريقنا إلى جنّة الحبّ النّقيّ، والبهجة الخالدة". (قويعة)، إنّ المرأة فارعة القامة حتّى كادت تضاهي الرّجل طولاً، ممتلئة الجسد منتصبة الوقفة شبيهة إلى حدّ كبير بالرّجل من هذه النّاحية، ثمّ تطاولت على الرّجل جماليًّا فأعطته شكل العين وسحرها، وأنثويّة الوجه والشّفتين، وانحدار الأنف، ورشاقة القوام، ونحافة الأصابع، وطول الأظافر. 4. الدّلالة في لوحات علي بن سالم إنّ الطّبيعة في لوحات علي بن سالم تكفّ عن أنْ تكون طبيعة صامتة صمّاء، أو طبيعة طبيعيّة بالمعنى الحرفيّ للكلمة، إنّها طبيعة مغايرة للطّبيعة، مخالفة للمألوف، لكنّها ليست طبيعة غريبة أسطوريّة لا تستسيغها العين فتنفر منها، ولا يقبلها العقل فيرفضها، إنّها طبيعة تتآلف فيها العناصر، وتنصهر مع بعضها بعضًا رغم ما بينها من تباين وفروق، "وكلّ العناصر متآلفة مع بعضها في شكل نسيج مترامي الأطراف". (خليل قويعة)، ولعلّ هذا التّجاور في المكان بين عناصر اللّوحة يقوّي إيماننا بكون علي بن سالم يرسم ما يراه في ذهنه، وما يحلم به في نفسه، لا ما يراه في الطّبيعة، فهو يحلم بالسّلام والأمن، وانتشار الألفة والمحبّة، ويطمح إلى أنْ تعيش كلّ الكائنات مع بعضها بعضًا في طمأنينة كليّة، فلا الحيوان يخشى صيد الإنسان، ولا الإنسان يرهب توحّش الحيوان واعتداءه عليه، وهو في النّهاية يرسم الجنّة الأبديّة التي يحلم بتحقّقها في الأرض قبل السّماء، وفي الدّنيا قبل الآخرة. ولمّا كان المشهد المرسوم مستوحى من البيئة التّونسيّة، فهو معبّر إذن عن ذلك الوطن الذي يحلم به عليّ بن سالم، وطن ملئ سلامًا، وكون يمكن أنْ تتحقّق فيه كلّ الأماني، فيتحوّل إلى جنّة يرسمها الفنّان بطريقة شعريّة، ويعبّر عنها بريشة فنّان أراد أنْ يكون تونسيًّا منفتحًا، تونسيًّا حالمًا، متعلّقًا بأصوله، متمرّدًا على الطّبيعة، وفيًّا للرّؤية الفنيّة الإبداعيّة التي ترسم ما يحلم به الفنّان، لا ما يراه في الطّبيعة والواقع فقط.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire